جمعية لبنانية غير حكومية NGO

د. هشام الأعور - بعد مجزرة "مجدل شمس": الدروز في عين العاصفة .

2024-08-01

الدكتور هشام الأعور

جتاحَت أوساطَ الطائفة الدرزية بمختلف توجّهاتها موجةٌ من القلق عقبَ المجزرة الارهابية في قرية مجدل شمس الدرزية في هضبة الجولان العربي السوري المحتل في 27 يوليو /تموز الجاري ،والتي أدخلت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في مرحلة جديدة. ربما كان بنيامين نتنياهو بحاجة لمثل هذه المجزرة  عشية عودته من واشنطن لكن حتماً نحن أمام مشهد يتحرك باتجاه خلق قواعد اشتباك جديدة في الإقليم مختلفة عن تلك التي سادت طوال الشهور العشرة الماضية ولكن تحت سقف عدم مصلحة جميع اطراف الصراع في الذهاب إلى خيار الحرب  الشاملة.

راكم الموحدون الدروز في فلسطين المحتلة وفي هضبة الجولان المحتلة معرفة تاريخية أهَّلتهم لفهم أعمق لقضيتهم الوجودية في مواجهة المحتل وللمساهمة في بناء سردية تاريخية مغايرة للرواية الصهيونية، وادراكهم بأنهم وقعوا ضحية سياسات الحركة الصهيونية التي نجحت نسبياً في ترويض وتهجين بعض القيادات الدرزية وشرائح من الطائفة مستغلة عزلتهم عن عمقهم العربي، وضحالة تصوراتهم للمشروع الصهيوني، وغفلتهم وشعورهم بالخوف من المستقبل.

في الواقع  لم يكن هنالك "حلف دم" بين الموحدين الدروز ودولة الاحتلال، وأن هذا الشعار ما هو إلا أداة في يد المؤسسة الرسمية الإسرائيلية تدفع بها الدروز للتشبث بالولاء لها، ويستخدمها بعض الدروز لحثها على "رد الجميل لهم" كما أن دولة الاحتلال لم تتعامل مع الدروز في الشأن الاقتصادي الا بالطريقة نفسها التي تعاملت بها مع باقي الفلسطينيين في الداخل المحتل، وأن دمج الدروز في الجيش والمؤسسة الأمنية لم يحمهم من سياسات مصادرة أراضيهم، وتهميش بلداتهم، وأن المجهود الصهيوني لم يمنع من ظهور حالة رفض درزية لحمل البندقية الإسرائيلية وتهجين الهوية.

إن هذه القرائن التاريخية تثبت بأن تاريخ الموحدين الدروز المعاصر قد شهد بروز نخب تبنت هويات جماعية عابرة للطوائف، ونادت بإسلامية المذهب الدرزي وأصل الموحدين الدروز العربي وانتمائهم إلى الوطنية السورية، أمَّا دروز فلسطين فظلوا، ملتصقين بهويتهم الطائفية قبل نكبة سنة 1948 وبعدها، وذلك لأن القرى الدرزية في فلسطين كانت معزولة في الجبال، ولم تشهد تغيرات اقتصادية واجتماعية تساعد على ظهور شريحة متعلمة قادرة على استيعاب مفاهيم وطنية وقومية وبسبب جهود الحركة الصهيونية في أوساطها، والتي ركزت  على صهر دروز فلسطين في المؤسسة العسكرية الصهيونية، من خلال تجنيدهم في وحدة الأقليات في الجيش الإسرائيلي منذ سنة 1948، ثم إدخالهم في الأجهزة الأمنية من شرطة ومصلحة سجون وغيرها. لكن فرض التجنيد الإجباري على الدروز كان قراراً صهيونياً ولم يكن بطلب من الدروز أنفسهم، وبأن القرار جوبه بمعارضة واسعة كان في مقدمتها الشيخ أمين طريف الذي هدد المنضمين للجيش الإسرائيلي بالحرمان الديني، والامتناع عن المصادقة على الزواج وقد استخدم الرافضون للتجنيد عدة وسائل منها الاجتماعات العامة، وتقديم العرائض، ورفع دعاوى قانونية وغيرها.

 كما ان الدراسات الصهيونية المتعلقة بدروز فلسطين تتغاضى عن التيارات الفكرية والمواقف السياسية المتباينة لأبناء الطائفة الدرزية تجاه المؤسسة الصهيونية، وتحاول تصوير أبناء هذه الطائفة كأنهم جسم واحد يتماهى مع الحركة الصهيونية متناسين أن سميح القاسم، شاعر المقاومة الفلسطينية، هو واحد من أبناء هذه الطائفة، ومثله كثيرون يقفون سداً مانعاً لمنع سلب الهوية العربية الفلسطينية للطائفة الدرزية الفلسطينية.

 ان التداخل بين التحديات الداخلية والتحديات الخارجية يزداد وثوقًا، خاصة وأن تجربة معركة "طوفان الأقصى" أكدت هذا التداخل وجعلت من الصعوبة فك القضايا عن بعضها البعض، كما ان مجزرة مجدل شمس سرعان ما فتحت السجال الداخلي في لبنان  على جوانب سياسية مختلفة، ولا تقتصر فقط على التطورات العسكرية، خصوصاً  في ظل المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتعزيز الشرخ بين الموحدين الدروز والمكونات الأخرى. وهو ما يراد أن يكون له انعكاس في لبنان بين الدروز والشيعة، وسط محاولات المرجعيات الدرزية التصدي لمثل هذه المشاريع ، في حين ان دروز فلسطين لا يجدون أي دولة عربية حاضنة لهم بالمعنى الفعلي، فيما تواصل اسرائيل تقديماتها لهم في محاولة لاستقطابهم في الجيش والمؤسسات الأخرى، وتوفير الخدمات. وللإسرائيليين باع طويل في هذا المجال يرويها كتاب عنوانه: "دروز في زمن الغفلة: من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية".

إلى جانب كل هذه التفاصيل، لا شك أن إسرائيل ستستغل ما جرى في مجدل شمس على أكثر من خطّ. أولاً على خط زيادة منسوب الشرخ بين اللبنانيين في سياق لعبة الأقليات التي تلعبها دائماً. ثانياً، قيام نتنياهو بعملية تحشيد كبيرة في أميركا للحصول على الدعم العسكري ومواصلة الحرب على غزة، وتصعيد المواجهة مع حزب الله، ولكن من دون الانتقال إلى حرب شاملة. ثالثاً، استغلال الضغط العسكري والدعم الاميركي تحت ذريعة أن إسرائيل تتعرض لتهديدات  من قبل حزب الله وإيران، في سبيل تحقيق ضغط أكبر يدفع الحزب إلى القبول باتفاق ديبلوماسي لتطبيق القرار 1701، مع ضمانات مقدمة لإسرائيل لتثبيت الاستقرار لفترة طويلة. وهذا ما أوحت به الخارجية الإسرائيلية عندما أشارت إلى أنه لدى الحزب فرصة للذهاب لاتفاق ديبلوماسي لتجنّب الحرب.

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.