جمعية لبنانية غير حكومية NGO

لبنان بين النظام الفدرالي والدعوة للإصلاح.. لمن الغلبة؟

2024-08-24

الدكتور هشام الأعور

لم يكن لبنان يوماً بمنأى عن تداعيات الصراعات في المنطقة، بل كان لهذه الصراعات دورها في تشكيل الكيان اللبناني وفي الحفاظ على استمراريته. اليوم يُعاد السؤال المركزي والذي دائماً ما يشغل بال اللبنانيين: هل لبنان أمام مفترق طرق وتغيير جذري للنظام السياسي؟ وهل بالإمكان تغيير هذا النظام الذي أصابه الترهل والفساد؟ أصبح هذا السؤال أكثر الحاحاً بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023.

لم يكن اللبنانيون ليصلوا إلى اتفاق الطائف لو لم يكن هناك تغيير في موازين القوى على مستوى المنطقة. دفع انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب العراق على الكويت  بدول مؤثرة في لبنان (السعودية، سوريا وأميركا) إلى الإسراع في عقد تسوية تنهي الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 وتركيز جهودها على الحرب في الخليج. أما الوجود السوري فقد كان سببه اتفاق بين سوريا وأميركا حول لبنان حيث تدعم سوريا حرب واشنطن على العراق بالمقابل تُسلّم واشنطن سوريا الملف اللبناني. وبالتالي حافظت دمشق على وجودها في لبنان حتى العام 2005. هذا الوجود العسكري والسياسي كان له دور محوري في إرساء التسوية التي أنتجها الطائف، وحافظت سوريا على الاستقرار السياسي في لبنان. لم تخرج دمشق من لبنان إلا بعد أن وقع خلاف بينها وبين الولايات المتحدة حول حرب واشنطن الثانية على العراق فاضطرت إلى الخروج من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005.

أما فيما يخص اتفاق الدوحة، فقد كان لأحداث 7 أيار/ مايو 2008 الدور المؤثر في الوصول إلى الاتفاق. هذه الأحداث أدت إلى تغيير في موازين القوى ولو عسكريا والضغط على الأطراف الإقليمية للوصول إلى تسوية خوفاً مما يسمى "هيمنة "حزب الله على الدولة خصوصاً بعد أن فشل مشروع جماعة ١٤ آذار في تفكيك شبكة الاتصالات التابعة للمقاومة.
لا شك أن الفراغ الذي يعطل مؤسسات الدولة وفي طليعتها موقع رئاسة الجمهورية والانهيار الاقتصادي والمالي يضاف اليه الحرب في غزة ودخول لبنان مسار الحرب ضد اسرائيل كلها عوامل سيكون لها أثر كبير على الواقع السياسي اللبناني، بعد أن  أضحى الدستور كتاباً عادياً، وانتهاكه أمراً عادياً، وليس هناك من يحميه، بل هناك من يختبئ وراءه لتدعيم موقف سياسيّ ، وكأن مؤسسات الدولة اصبحت مطوبة بأسماء اشخاص او احزاب معينة وقد وُضِعت لخدمتهم ولحماية ازلامهم ضماناً لمصالحهم. 
انكسرت هيبة الدولة لدى الرأي العام، وبدأ الكلام عن أنّ تعطيل المؤسسات سببه سوء النصوص الدستورية وليس المسؤولين المؤتمنين على احترامه.وبدأ البحث في الكواليس حول تغيير شكل النظام الدستوري وتبني النظام الفدرالي او الاتحادي ،إضافة الى تثبيت مكتسباتٍ وتكريس أعرافٍ أصبحت مقبولة بسبب الفراغ المؤسساتي.
إنّ إعادة بناء الدولة، يستدعي طبقة سياسيّة جديدة، تؤمن بدولة القانون وبنهائية الكيان،وبميثاق التكاؤن بين اللبنانيين. فالحاجة الآن ليس الى الانقلاب على اتفاق الطائف مقابل مكاسب سياسية وماليّة، بل السعي لتغيير الطبقة السياسيّة الحاكمة. 
إنّ لبنان لا يمكن أن تُضرب صيغته التعددية الغنية بالثقافات والمدارس الفكريّة القائمة على مجموعة من القِيَم الدينية والإجتماعية،وبالتالي ليس علينا ان نذهب بعيداً لسلوك طريق التجديد. ان العناوين الاصلاحية في  اتفاق الطائف، او وثيقة الوفاق الوطني اللبناني كمثل انتخاب مجلس نواب على أساس غير طائفي ومجلس شيوخ يمثل الطوائف، واعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة من ضمن دولة مركزية قوية ،قد تكون كفيلة بتجديد نظامننا السياسي تدريجياً.
هذه العناوين الاصلاحية يجب ان تكون مطروحة للنقاش، والغاية منها تشجيع اللبنانيين على البوح بقضاياهم أمام بعضهم البعض، بدل أن تتحول الشكوى إلى مادة تحريض ضد الآخر أو تحريض الخارج ضد مكون ما في الداخل. لا بديل عن الدولة المدنية. لا بديل عن الحوار ، لا خيار عن التكاؤن وتجديد نظامنا وتحديثه وتطويره. لا بديل عن تفاهم اللبنانيين. تعالوا نناقش سبل تنفيذ إتفاق الطائف، قبل الندم وفوات الآوان .
الحوار المجتمعي

 

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.