جمعية لبنانية غير حكومية NGO

إسرائيل الازمة الوجودية المؤجلة

2025-09-01

الإعلامية الاستشراقية أورنيللا سكّر

حرب طوفان الأقصى فجّرت سؤالًا عميقًا يستحق أن يُعطى حقّه في النقاش، بعيدًا عن الحقد الإيديولوجي والتبعية للبروباغندا الغربية القائمة على أسطورة التفوّق التقني للكيان. السؤال المركزي اليوم هو: هل ستبقى إسرائيل "دولة يهودية" أم تتحوّل إلى نظام أبارتهايد مكشوف

إسرائيل، وبشهادة العديد من الخبراء الغربيين، تواجه للمرة الأولى منذ 1948 و1967 و1973 والانتفاضات الفلسطينية تحديًا وجوديًا مركّبًا: **انقسام داخلي + ضغط دولي + مقاومة إقليمية متنامية + تحدٍّ ديموغرافي + تراجع الصورة الأخلاقية. هذا التراكم لم يحدث مجتمِعًا من قبل. ففي السابق، كانت إسرائيل متفوقة عسكريًا وتخوض حروبًا خاطفة قصيرة، أما اليوم فقد انهارت صورتها الردعية داخليًا وعالميًا.

السبب الجوهري هو فقدانها لصورة "الضحية"التي تأسست عليها منذ الهولوكوست بعد الحرب العالمية الثانية (1945). هذه الخسارة الاستراتيجية أخطر من الهزيمة العسكرية، لأنها قلبت الرأي العام الغربي ضدها، بعد الفضيحة الأخلاقية والإنسانية التي كشفتها حرب غزة: مجاعة موثّقة، جرائم مدنية، وانتهاكات رُصدت من منظمات حقوقية، وصارت تُوصَف بأنها "عار تاريخي في القرن الحادي والعشرين".

ومن مظاهر هذا التحوّل: طرد اليهود من بعض المقاهي والفنادق، واتساع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات في الجامعات والشوارع والأكاديميات الغربية والنقابات. الأهم من ذلك أن نتائج الحرب الأوكرانية-الروسية ستغيّر موازين القوى الأوروبية، ما سينعكس على قدرة الغرب في الاستمرار بتسليح إسرائيل كما في السابق. لقد بدأت أصوات أوروبية تعلو معلنة رفضها تسليح إسرائيل، بل إن بريطانيا وفرنسا تطالبان صراحةً بحلّ الدولتين.

برأيي، هذا يمثل تحوّلًا استراتيجيًا في موازين القوى لصالح المنطقة. وعلى لبنان، الذي رفع جبهة الإسناد لغزة، أن يستفيد من هذا التحوّل لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة أزماتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وإلا فإننا سنعيد إنتاج التجارب العربية السابقة، حيث أُهدرت الفرص ووقعنا في الهزائم المتكررة.

لقد فشل العرب تاريخيًا في استثمار ميزان القوى أو كسب اعتراف دولي، بينما نجح الصهاينة في كسب بريطانيا (وعد بلفور 1917) ثم الولايات المتحدة.
ولذلك، فإن المطلوب اليوم هو استغلال نقاط القوة الراهنة لبناء مشروع تحرّري أصيل، والعمل على مشاريع وحدوية تقوم على التعاون والتكامل. لقد أثبتت تجربة طوفان الأقصى أن الصراع العربي-الإسرائيلي ليس قدرًا محتومًا، بل معركة مفتوحة قابلة للتحوّل وفق موازين القوى والإرادة السياسية.

---

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.