جمعية لبنانية غير حكومية NGO

أزمة القضاء والعدالة غير المسبوقة في لبنان

2024-06-30

المحامي رشيد درباس (وزير سابق)

ناقوس الأحد مع المحامي رشيد درباس

الأحد 10 أيلول 2023

 

أيها الأعزاء، أستأنف الحديث عن القضاة فأقول، ما أحببت الوعظ، بل أنا أزعم أنني لم ألقّن أولادي، أو زملائي المحترمين الذين تدرّجوا في مكتبي، أي درس أو محاضرة، بل كنا معاً نحاول أن نمارس ما نراه صحيحاً، وقويماً، أو مجانباً للعوج، وكنت أرى معهم المحاماة احترافاً يكتسب رونقه من الهواية والشغف، وأنها مهنة تقوم على العلم والثقة، ولقد علّمني النقيب عدنان الجسر رحمه الله، أن المحامي يكتسب ثقة الموكلين إذا جعلهم يرون النتائج بأعينهم، لا بمخيّلاتهم. ولهذا فإنني اتنصّل مسبقاً من شبهة التبشير وأزعم أنني صاحب أفكار بَلْورتُها بالتأمل والخبرة، أعرضها على كل من له تماس مع الشأن القضائي -وهم معظم الناس- لا سيما السادة القضاة والمساعدين القضائيين والمحامين، وأولهم وزير العدل، علّها تشكل ناقوساً للتذكير، أو نسمة للتفكير أو حافزاً للتدبير، فأبدأ باعتكاف مئة من السادة القضاة لأقول إن الاعتكاف كلمة مدانية للاستنكاف، وكلتاهما مرتبطتان ميزاناً وسجعاً ومعنى، فحذار حذار من الوقوع بالعصبوية أو العشائرية أو حتى العائلية، فأنتم تحكمون، ولا تتضامنون، ثم حذار أيضاً وأيضاً، من أن يأخذكم ضيق الأحوال إلى دروب الأهوال، لأن من تخاطبونهم لإعطائكم الحقوق، هم صمُّ الأذان والقلوب، ومشلولو الكف والقدرة، فعبثاً تحاولون لأنكم لن تجدوا من يلبّي، فإذا حصل مرة، فأنتم أدرى بالحلقة الجهنمية المفرغة التي ابتلعت وتبتلع الزيادات في معدة التضخم التي لا تمتلئ أبداً.

الأجدر بكم، وأنتم أصحاب خبرة قانونية ان تتدارسوا مشروعات قابلة للتنفيذ، تحرّركم من مالية الدولة، وتؤمن البنى التحتية الحديثة التي من شانها ان تجعل العدالة بمنأى عن التدخلات والضغوطات والإغراءات.

إنّ القضاة يبتكرون ولا يتأففون، فالأحرى بكم أن تنظّموا ورشات عمل لإخراج العدلية من أزماتها، بمشاريع تتقدمون بها لمجلسكم الأعلى، وتضعونها أمام النقابتين والجمهور، لنكون جميعاً معكم حلقات ضغط لا قبل للحكام بمقاومتها.

إنني مؤمن تماماً أن أمهر البحارة لا يركبون الأمواج على متن سفينة تمزقت أشرعتها وتكسرت ساريتاها، وتهشمت مجاذيفها، ولكنني أشد إيمانا ان الإمعان في تخريب السفينة لا يقدم عليه بحارة مخلصون.

أيها السادة القضاة..

إن جميع المراكز القضائية تتساوى بالأهمية، لأن من أعطاه القانون حق النطق باسم الشعب اللبناني، لا تتراوح قيمته او اهميته، صعوداً وخفضاً بحسب المحكمة التي يتولاها. وإذا كان ثمة وهم، ساد طويلاً مفاده أن قضاة النيابة العامة والتحقيق، وقضاة الجزاء عموماً، هم اكثر جلالاً واحتراماً ونفوذا، فإن ذلك الوهم مدحوض كليّاً بالقاعدة الكليّة التي تقول بأنّ العقل الجزائي إذا لم يكن منضبطاً ومتأدباً بأصول العقل المدني، هو عرضة عدوى النشوز والقلق، والتعسّف والاستنساب.

لن أطيل أكثر بل ألخّص ما سبق بما يأتي:

يجب ان تكون مستحقات القضاة منظمة بإدارة صندوق التعاضد، بعد وضع أسس ثابتة للتفاهم مع الحكومة ووزارة المالية، بحيث تكون موارد الصندوق متحركة وفق قواعد علمية، تتناسب مع حجم المداخيل التي يؤمّنها المرفق القضائي لخزينة الدولة.

السلطة القضائية مستقلة باستقلال قضاتها بإصدار أحكامهم.

إنّ تدخّل السلطة التنفيذية بالتشكيلات القضائية يجب أن يتقيّد بما نصّ عليه القانون، فإذا تجاوز الأمر ذلك، حق للشعب اللبناني أن يَعُدَّ الأمر فضيحة وطنية.

إنّ القضاة يأتمرون ويتشاورون ويقترحون ويبتكرون، ولا يصدرون بيانات سياسية، ولا ينظّمون تحرّكات مطلبية، فتلك صلاحيات النقابات، وهم ليسوا نقابة ولا نادياً ولا تجمّعاً لرعاية المصالح.

وأخيراً أقول:

النجومية يسعى إليها الفنانون والرياضيون والطامحون، أما السياسيون إذا أدركتهم لوثتها، وقعوا في شرّها وباتوا أسرى بريقها الخادع الذي تزيغ منه رصانة القرار، لكن نجومية القضاة تَشِعُ من أحرفهم متى أنطقوها بالحق.

 

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.