جمعية لبنانية غير حكومية NGO

بمناسبة ذكرى 13 نيسان 1975 الترهيب والتذليل حالة غير صحية للكنيسة المارونية

2024-06-13

الأب ميخائيل روحانا الأنطوني

 

لا أتحدّث هنا عن ترهيب المؤمنين الموارنة من قبل الثنائي الشيعي ولا من قبل الإخوان المسلمين ولا من قبل أي نوع من التيارات الإسلامية المتطرّفة. هذا الموضوع لا يخيف أي فئة مارونية مهما صغرة، لأنهم، باسم إيمانهم المسيحي، والحداثة التي ترقَّوا إليها منذ مدرسة روما 1580، والمجمع اللبناني الذي فرض التعليم المجاني لكافة أولادهم 1735 ومدرسة عين ورقة الجامعية التي تأسست سنة 1797، أصرّوا، حَقنًا لدماء الثأر المتراكم منذ مذابح 1840 و1860 المشؤومة، سواء بين الطوائف، أو بين أبناء الطائفة الواحدة باختلاف المناطق، نجحوا بإقامة دولة حديثة، على النمط الفرنسي، يتولى الحكم فيها والعدل والقضاء إعطاء كل ذي حق حقه وإنزال العقوبات بالمجرمين بعد محاكمتهم العادلة. حكما قاموا بهذا بالتعاون وبالتفاهم مع المُنتدِب الفرنسي الشاهد على تلك المجازر والفئات اللبنانية الراقية الأخرى من مسلمين ودروز. عليه، لا زلنا لغاية اليوم نسمع أهل كل مغدور يقولون "نترك أولا للدولة إظهار الحقيقة وتوقيف القاتل ومعاقبته، وإعطائنا حقنا، وإن هي عجزت، نأخذ حقّنا بيدنا". لا ريب إذا، أنه بمجرد فرط أسس هذه الدولة وحلول الشك العميق بعدالتها، يكون الموارنة الخاسر الأكبر إذ يعود المجتمع اللبناني إلى حالة ما قبل الدولة، إلى الشريعة الموسوية، "العين بالعين والسن بالسن والبادي أعظم" إلى أن تنتهي الأمور بالصلح القبائلي والعشائري.

عليه يتأكد بأن ترهيب الموارنة، طالما الدولة موجودة وقضاؤها قادر على أتباب العدل، لا مشكل لديهم معه. معضلتهم الأساس، أي في تكوينهم الاجتماعي، هي في أنه متى "أعطوا سلاحا" أو "مالا" وتُرِكوا على علّاتهم التاريخية، بخاصة شهوة الفوقية، يتخطون تنبيه الله بسؤاله "أين أخاك؟" ليبيدوا بعضهم البعض إن استطاعوا، على ما قاله بعض زعماء العرب في بداية الحرب اللبنانية 1975، وقد أصابوا.  

الترهيب من الخارج قد يشد عصب الموارنة، أما الترهيب الداخلي فيما بينهم، بسبب كرسي أو منصب أو مال، فيأتي عليهم ولا يبقي لهم من منفذ سوى الهجرة إلى ديار الله الواسعة. لهذا شهد التاريخ بأنه أكثر من هجّر الموارنة وأفرغ القرى والبلدات هم الموارنة انفسهم، المتسلطين عليهم من مدنيين وكنسيين. ألا يكون فرط الدولة اليوم، إذا، هو إصابة مقتل منهم هم أولا، واللبنانيين الآخرين بشكل عام ثانيا؟

إن تقاتل مسلمون أو دروزا فلديهم شرع ديني حرفيٌّ يقضي بينهم ويُنفَّذ، أما إنجيل المسيحيين المقدس، فقول المسيح لهم فيه: "من أقامني عليكم قاضيا ومقسمًا" (لو 12: 14)، اذهبوا إلى الدولة التي ارتضيتم بقضائها، أما قضاءه فهو: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (مت 5: 44)...أيجوز إذا لأجل كرسي رئاسة جمهورية بات الجميع يعرف ضعف دورها، أن يكونوا هم العامل الأساس في فرط عقد الدولة؟ أما تعملّنا من أجدادنا بان الحياة دورات، يوم لك ويوم عليك، وبأن عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة؟

نحن اليوم في ذكرى 13 نيسان 1975 المشؤومة، وأمام نعش رجل لبناني أولا، باسكال سليمان، رحمه الله، ولد في الحرب وتزوج في الحرب ونما أولاده في الحرب، يعيش، إثر انفجار مرفأ بيروت، وانهيار الاقتصاد اللبناني، والجريمة المزدوجة للدولة والمصارف، ككل رأس عائلة على صلاة "اعطنا خبزنا كفاف يومنا". و ككل الناس، لطالما رغب ان يفتخر هو وأولاده بعزّة النفس اللبنانية والكرامة الإنسانية والافتخار بحرية التعبير عن رأيه السياسي وانتمائه الحزبي دون الحد من حقوق الآخرين وعائلاتهم. ولكن للأسف ترك زوجته محرومة من ان تهنأ بعرس أولادهما إذ سيظل غيابه حرقة لا تخفى. وأقل ما يعنيه هذا الظلم بانه لا يجوز الاستمرار على هذا المنوال. أي أن يكون على أولاده أن يتزوجوا في بلد فاقد الدولة والصالح العام وكرامة الإنسان ويوَلّدون لمستقبل من النوع ذاته. أما يكفي اللبنانيين عموما بأن على كل مولود يولد لهم تسديد جزء من الدين العام الذي بات حوالي 150 مليار دولار، ما يتطلب خمسة عشر جيلا قادما مع اقتصاد متين كي يُخرِج اللبنانيون لبنان من ديون تراكمت عليه من دون أن يرى أحد منهم لا السلام ولا الكرامة ولا النور. أما أعلن دوليا بان لبنان بات دولة فاشلة مفلسة؟

هل باتت الأحزاب تشكل ماضي الإنسان في لبنان وحاضره ومستقبله، يولد باسمها، يطهَّر باسمها، يتزوج باسمها ويموت، مهما تعدد أسبابا الموت، باسمها ليدفن فيما بعد باسمها؟ أي أما باتت الأحزاب شبه آلهة تعبد والويل لمن يسيء إلى عقائدها أو أحد قادتها الخالدين؟

 

هذا الإرهاب مرضي عند الموارنة. لا لزوم للحروب لتهجيرهم. إن ما ثبت لغاية اليوم، إن استمرت الأحزاب المارونية على هذا المنوال، لن يبقى في لبنان موارنة؟ وإن قالها المثلث الرحمات البطريرك صفير بأن "المارونية والحرية توأمان"، فهذا الأساس يفوق أي أساسا حزبي أو حتى عائلي. الحريّة بالمعنى المسيحي الماروني أهم من الخضوع للشرائع العشائرية أو العائلية وبالأخص الحزبية.

فباسم روح الشهيد باسكال سليمان وزوجته وأولاده، تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا إلى نضع يدنا بيد بعض بروح تكاؤني يجعلنا نفاجئ العالم بقدراتنا على خرق الأحقاد وتخطي العناد والتشبث، واجتراح الحلول التي تعيد للبنان دوره التاريخي الذي يليق بأبجدية جبيل التي قدمت اليوم ابنها كبش محرقة على مذبح هذا الوطن.

ألا تقبل الله دم الشهداء كافة وأعاد لنا ذكرى 13 نيسان القادمة بوطن أفضل.

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.