جمعية لبنانية غير حكومية NGO

قد يجانب الأديب الحقيقة... ولكنه لا يمالق

2024-07-31

البروفسور جهاد نعمان

قد يجانب الأديب الحقيقة، ويلجأ كما الأسير إلى شيء من التورية لينجو بجلده...ولكنه لا يمالق! فالصدق لديه أجدر وأولى بالتنجية. ويبقى أعذب الشعر أصدقه، بل إن أجمل الشعر أقصده، أي انه في منزلة بين منزلتين هما الصدق والتورية المستحبة.

«الحبيب الأول» ليس ضرورة صاحب الرقم الأول في سجل العاشق المبدع. إنه ذو الأثر الأقوى في القلب مهما جاء رقمه في السجل المعطّر. والحب لا يترك أثرا باقيا في القلب إلّا إذا بانت بواعثه الأولى روحية وأنضجه الزمن في أتون التجارب والمعاناة. أما إذا تبيّنت بواعثه حسيّة جسدية، فإن آثاره في القلب لا تختلف عن آثار الأقدام على رمال الصحراء. هكذا تصدح في درر الشاعر المبدع موسيقى شجيّة وتشعّ الرقّة في الألفاظ والصور المبرقعة بغلالة رمزية شفافة أو كثيفة.

لا يسلم كتّاب اليوم من العثرات والكبوات. نفسهم القصير عيب عندما لا يستوعب تجربتهم ولا يضم أبعادها. ولكنني كثيرا ما هربت من مطوّلاتهم البليدة أيضا قبل أن يهرب مني الصبر!

من الإنصاف أن نقرّ بتوافر واحات جميلة وارفة كما لدى النقيب الدائم أنطوان رعد والشعراء حبيب يونس ويسرى بيطار وباسمة بطولي. كتابات هؤلاء المجدّدين تمتلئ بتجارب متجددة، وتشير إلى أن الكتابة العربية ما زالت حيّة تُرزق.

إن إنتاج العمل الأدبي لا يتم نتيجة معجزة بل يتطلّب تحضيرا كالتربة، مهما تكن غنية، تظل في حاجة إلى غذاء، وعلى الفنان المبدع أن يوسّع شخصيته ويعمّقها ويغنيها باقتباس الأفكار، وأن يبذل الجهد لتظل التربة مهيّأة. كما أن ليس من معدن أوفر عطاء من ارتياد الآداب بل الأدبيات القديمة العظيمة وشاهقات الفلسفة المفارقة أبدا.

متى تتطلّع إلينا مجددا أمم العالم كمحجة إبداع وحرية وحياة كريمة، بدلا من أن نضحي أمما مفكّكة ذابلة عاجزة عن إعطاء أي درس للمحيط والعالم إذ نحمل طاقة من الإبداع المجدي أبعد من حجمنا؟ متى يوفّق مبدعونا في الجمع الهني بين واقعية الحياة وصدقها من جهة، ومبادئ المثل العليا من جهة ثانية؟ أين الوزارات تُعنى، في جديّة، بمثل هذه الأمور البديهية؟!!...

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.