شكلت مجزرتي " البيجر " و " اللاسيلكي" سابقة غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين حزب الله و"اسرائيل" وفي تاريخ الصراع العربي-الاسرائيلي ،وقد تكون غير مسبوقة في تاريخ الحروب في العالم.
ما حدث يومي الثلاثاء والأربعاء الأسود في 17 و18 ايلول /سبتمبر 2024 ليس مجرد جريمة انسانية تتجاوز كل الخطوط الحمراء فحسب، بل هو إبادة جماعية لآلاف المواطنين اللبنانيين وتأكيد على اهداف حكومة الحرب الاسرائيلية ونيّتها بالذهاب الى النهايات الكارثية في المواجهات.لا نجادل مطلقا بأن الاختراق السيبراني الإسرائيلي الذي استهدف منظومة الاتصال التابعة لحزب الله وراح ضحيته عشرات الشهداء ، وأكثر من 3000 مصاب، كان ضربة مؤلمة، عسكريا ومعنويا، ولكن النتائج الكارثية التي ستترتب عليه بالنسبة لكيان الاحتلال الإسرائيلي في جبهات الاسناد المفتوحة عليه قد تكون أكثر إيلاما وكارثية.
ما يحصل امام الكاميرات من عزة وكرامة من قبل الجرحى الذين فقدوا عيونهم وتم بتر اجزاء من اعضائهم في هذين اليومين المشؤومين، هو رد واضح على نتنياهو الذي يعيش حالة من الانكسار والذي اتخذ هذا القرار في محاولة يائسة من جانبه لترميم الردع الإسرائيلي المنهار، وهيبة كيانه المتداعي، وإنجاز “انتصار” عسكري يرفع الروح المعنوية لجيشه ورأيه العام من شدة الهزائم التي لحقت بهم في قطاع غزة والضفة الغربية والجليل وجنوب لبنان، وبالضربة اليمنية الشجاعة القاصمة التي تمثلت في صاروخ “فلسطين 2”،وقبلها المسيّرة الانقضاضية التي قطعت 2040 كيلومترا وانفجرت على بعد أمتار من السفارة الامريكية في قلب تل ابيب.
وفي اللحظة التي يبدأ فيها العدوان الصهيوني بإستهداف متعمّد للمدنيين اللبنانيين بلا تبرير، يكون قرار الحرب الكبرى قد أتخذ من الجانب الاسرائيلي ،ليشمل الجبهة مع حزب الله على طول حدوده الشمالية مع لبنان بهدف إعادة السكان النازحين، مقابل اصرار سيد المقاومة على إن إسرائيل لن تستطيع إعادة السكان إلى الشمال.
إذًا ،نحن امام مفصل وجودي يهدد مصير البلد لأن الهجمة الاسرائيلية على لبنان والمتفلتة من كل اشكال القيود والضوابط ،تجعل الحريصين على مستقبل لبنان امام مهمة جهادية ووطنية مقدسة بوجه أطماع هذا الكيان وشراهته للتوسّع والعدوان .
ومن المفيد في هذا المجال الاضاءة على حالة الوحدة الوطنية عقب المجزرة الاسرائلية على لبنان،التي تجلّت بتضامن أهالي بيروت والشمال والبقاع والجبل مع مصابي اخوانهم في الضاحية والجنوب والبقاع، والتهافت الى المستشفيات للتبرع بالدم ومساعدة جرحى المجزرة، وهو مشهد لم تكن ترغب إسرائيل أن تشاهده بل على العكس كانت تعمل على إيقاد نار الفتنة بين اللبنانين لتخلق الشرخ المذهبي بين المقاومة وعموم الجمهور اللبناني،الذي أظهر انه ما يزال يعتبر إسرائيل عدوه الأول والوحيد.
من المؤكد أن نتنياهو قد أشعل فتيل الحرب الموسعة بمجازره في جنوب لبنان وباستهداف المدنيين وبتنسيق كامل مع أمريكا التي توفر له الحماية، وعليهما تحمل تبعاتها كاملة، فقد طفح الكيل، وبات من الصعب التمسك بأخلاقيات وقواعد لا يحترمها الطرف الآخر.