جمعية لبنانية غير حكومية NGO

الشعب ليس دوماً على حق !

2024-09-21

البروفسور جهاد نعمان

منذ غابر الأزمنة، تعيش مجتمعاتنا انقسامات داخلية تحول دون أن نصير، حقيقة، شعباً واحداً في كنف وطن واحد. والتفسّخ هذا ما يزال يظهر أينما كان فيجعلنا نبطئ المسيرة أو نتراجع ونؤجّل النشاطات العامة ونتحاسد ونتباغض ونرتكب النميمة، ننتقد بعضنا بعضا في معزل عن أية روح نقدية بنّاءة! فأي حاكم شأنه، إذا صفت نيّاته واستنار بالحكمة والعلم، أن يعبر هذه الزواريب التي اسمها لبنان؟

أين الجو الإنساني الطيّب الذي تدعو إليه الأديان والذي يفضي بالمجتمعات الراقية إلى التفاهم والاخاء؟ ليست الغاية أن تتمّ مشاريع ما وحسب، وليس هذا الأهم. وإنما الأهم أن تكون القلوب متلاحمة والنيّات صافية.

ليس المقصود، في بلاد الناس، أن يؤمّن الجميع للجميع طعاماً وشرابا وكسوة وحسب، وإنما أيضا ما يؤدّي الى البِر، بل شاهقات القيم. لذا، علينا أن نغيّر مع مسالكنا في العمق وأن ننتهج نهج التواضع والوداعة.

علينا أولا أن نحترم ذواتنا، كلّ في إطار قدراته واجتهاده، فما نفع الاعمار وإدارة الأموال إذا كانت القرارات لا تُتَّخذ باحترام الآخر واللطف به بحيث تأتي حجارة الأبنية في ترابطها صورة عن ترابط النفوس والقلوب والمفاهيم الوطنية بعضها ببعض. ما جدوى مجتمع الحجر ان لم يكن عندنا مجتمع بشر؟ الدولة هي كل فرد من أفراد هذا المجتمع. وهي تريد كلّاً من أبنائها أن يساهم في تكوينها في رأيه ووجوده وسلوكه الحسن.

الواقع ان عدداً كبيراً من شعبنا ذئاب في ثیاب نعاج، وأبالسة في شكل ملائكة، ومفسدين في لباس صالحين ومصلحين. نُظهر أنفسنا بمظهر الغيارى على المصلحة العامة والمُثل العليا، ونحن لا نتورّع عن الكذب والغش والخداع. ندّعي المدنية وهي منا براء، ونفخر بالرقيّ ولا نعلم منه سوى اسمه، ونعتزّ بالتقدّم ونحن نعود القهقرى مسرعين إلى عصور الوحشية والظلم وشريعة الغاب، ولكن بأسلوب طليّ في أكثر الأحيان وطريقة مزخرفة برّاقة.

معظم شعبنا، في تهامله وتهافته البغيض، يستحق أن يصبّ الله عليه حممه وناره، ولكنه عزّ شأنه، لا يعاملنا بأعمالنا و«لولا عبادٌ لله رُكَّع، وصبيةٌ رُضَّع، وبهائم رُتَّع لصُبّ (علينا) العذاب صبّا ثم رُصَّ رصّاً» (حديث شريف).

كما تكونون يولَّى عليكم... فانتفضوا إذا! سلاسل الاستعباد والاستكبار والإذعان هي سلاسل على كل حال، سواء كانت من ذهب أو من حديد. والقوانين يسنّها في النتيجة الشعب نفسه، وهي للشعب، وما لم ترافقها عقوبات أو تنفيذ، تكون أجراسٌ لا رنين لها!

قال الكاتب الكبير غوته: «ليس اسوأ من الجهل الفاعل». ونحن نقول ان العقل المفكّر العامل يحمل بين ثناياه مملكة فسيحة من البشر. وليس العاقل ذاك الذي إذا وقع في الأمر احتال له، ولكن العاقل هو مَن يحتال للأمر حتى لا يقع فيه. فالشعب الذي يترك قيادته في أيدي أناس غير عاقلين ليس شعبا يستحقّ الكرامة والحياة.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه

 

Copyrights © 2024 All Rights Reserved.